1-باوهاوس فايمار:
المرحلة التعبيرية,1919-1921م:
تأسست مدرسة الباوهاوس عام 1919م بأندماج مدرستين,احداهما أكاديمية الفنون الجميلةGrand-Ducal Saxon Academy of Fine Arts؛والثانية مدرسة الفنون التطبيقية(الفنون والحرف)Grand-Ducal Saxon School of Arts and Grafts التي أسسها دوق ساكس-فايمار عام 1907م وعهد بادارته الى المعماري البلجيكي هنري فانديفلده,الذي كان قد استقدمه الى ألمانيا خصيصا لهذا الغرض.تم هذا الاندماج على يد غروبيس عام 1919م,وعلى الفور تم قبول ما يقرب من مائة وخمسين(150)طالبا وطالبة كان كثير منهم من المزاولين لمهن مختلفة ممن كانوا يبحثون عن تعليم متقدم لتعزيز خبراتهم المهنية.وقد كان حماس الطلبة في الالتحاق بالمدرسة الجديدة مؤشرا واضحا على وجود حاجة ملحة لتعليم فني تطبيقي مبتكر يناسب التغيرات في واقع الانتاج الفني والصناعي في ضوء تردي التعليم الاكاديمي في المدارس التقليدية للفنون والعمارة.
وقد جاء شعار المدرسة في مرحلتها الاولى"تحقيق وحدة الفن والحرف"Union of Art and Graft.وكان الطريق لتحقيق هذا الهدف هو توظيف الفنون الجميلةThe Fine Arts في مجالات غير تقليدية مرتبطة بالفنون الحرفية(_التطبيقية).ويتشابه هذا الشعار الى حد ما مع اهداف تيار الفنون والحرف الانغليزي English Arts &Graft Movementبيد انه كان في الباوهاوس أكثر نجاحا بمحاولة التكيف مع شروط الانتاج الالي,بدلا من رفض التصنيع الالي كما فعل وليم موريس وانصاره.ولكن في حين جاءت معارضة الفنانيين البريطانيين لاستخدام الالة انطلاقا من اعتبارات اجتماعية واقتصادية مرتبطة بطبيعة النظام الاقتصادي السياسي الذ واكب ظهور الصناعة والانتاج الالي وما لذلك من تأثيرات سلبية على العامل أو الصانع,كان للالمان تحفظات على المقاييس المعماريةstandardizationالتي كان يتطلبها الانتاج الالي لاعتبارات فنية تختلف نوعا ما عن نظرائهم الانغليز,اعتبارات تتعلق بصون حرية الفنان المصمم,تماشيا مع تراث ألماني تضرب جذوره في الرومانسية الالمانية من غوته,شاعرهم المجيد,الى فريدريش نيتشضه,فيلسوف الربع الاخير من القرن التاسع عشر الذي رفع بفلسفته شأن الفنان الى مصاف الأنبياء.
2-باوهاوس فايمار:المرحلة التجريدية,1921-1925م:
3-باوهاوس ديساو,1925-1927م:
4-المرحلة الرابعة:هانيس ماير,1927-1920م:
5-المرحلة الخامسة,1930-1933م:الباوهاوس تتحول الى مدرسة عمارة:
437
في الفترة بين الحربين العالميتين عصفت بألمانيا تيارات سياسية تفاوضت من أقصى اليسار الى أقصى اليمين.وقد كان السبب في الشعبية التي تمتعت بها تلك النزعات السياسية الراديكالية الهزيمة القاسية التي تعرضت لها ألمانيا في الحرب العالمية الاولى.وفي فترة العشرينيات بالذات احتدم الصراع بين القوى اليسارية المدعومة من الاتحاد السوفيتي الناشئ والسلطات الادارية,المحلية والمركزية.وقد حاول لودفيغ ميس(فانديروه)( )دوما المحافظة على موقف معتدل ووسطي بين السلطة والمعارضة,وكان ذلك من أهم اسباب ترشحه لرئاسة الباوهاوس بعد طرد ماير من منصبه كمدير للباوهاوس وذلك نتيجة لمعارضت السلطات المحلية والقولى الحزبية المساندة لها لوجوده,بسبب ميوله اليسارية المتطرفة.
وقد انعكست مواقف ميس المعتدلة في المنهج المعدل للتدريس في الباوهاوس الذي أعاد الاهتمام بالنواحي الجمالية والتقنية,بتصميم المسكن المستقل باعتباره الانموذج السكني الاكثر ملائمة لنمط الحياة الاكثر تقليدية,المعتمد على العائلة النووية,خلافا للانماط التعاونية التي كان يهتم بها اليساريون والتي كانت قد بدأت تظهر في الاتحاد السوفيتي,والتي تعتمد على عمارات الشقق السكنية ضمن تجمعات سكنية كبيرة.كما أهتم ميس في مدرسته بتدريس مواضيع مثل فن الدعاية والاعلان والديكور والفنون التشكيلية التي لا يمكن تخيل امكانية تدريسها في عهد ماير.
وبالرغم من وجود تواصل بين أعمالميس المبكرة من العشرينات والثلاثينات,وبين أعماله اللاحقة بعد هجرته الى الولايات المتحدة,الا أنه يمكن تقسيم حياة ميس المهنية الى مرحلتين:المرحلة الاوربية حتى عام1933م,والمرحلة الامريكية التي تبدأ بهجرته الى الولايات المتحدة في ذلك العام.
1-المرحلة الاوربية:
من أهم مباني ميس في هذه المرحلة,ان لم يكن أهمها على الاطلاق,الجناح الالماني في المعرض الصناعي العالمي في برشلونه من العام 1929م( ).يبدو تصميم هذا المبنىى استمرارا لدراسات ميس السابقة المتأثرة بفن الديشتيل التي ظهرت سابقا في مشروع"بيت ريفي من الطوب"من العام 1923م( ).
أقام ميس الجناح الألماني في برشلونة بسقف قليل السماكة من الخرسانة المسلحة يرتكز على ثمانية أعمدة فولاذية ذات مقاطع صليبي مغطاة بصفائح من الكروم,فوق مصطبة مستطيلة الشكل ترتفع ببضع درجات عن مستوى الأرض.وبين هذين المستويين الأفقيين,السقف والمصطبة,تتزلق مجموعة من الجدران بتنظيم حر بمحاذات الأعمدة الفولاذية,بعضها جدران زجاجية,وغيرها مغطى برخام الترافيرتين Travertine marbleأو الأونيكسOnyx .وتوجد على سطح الصطبة الأرضية بركتان قليلتا العمق تعكس المياه فيهما أجزاء المبنى المختلفة كالمرايا,مثلهما في ذلك مثل الجدران الزجاجية والرخامية المصقولة العاكسة.وتولد سيمفونية الانعكاسات هذه شعورا بالانفتاح والانغلاق من الجاذبية الارضية برغم كثافة المواد الرخامية وألوانها الداكنة.
وتمكن ميس في العام الذي تلاه,1930م,من توظيف بعض عناصر ومفردات الجناح الألماني في تصميم اخر مشروع مهم له في أوربا قبيل رحيله الى شيكاغو هو منزل توغندات Tugendhat Houseفي برنو بتشيكوسلوفاكيا.هنا نجد الاعمدة المصلبة الفولاذية المغلقة بالكرومChrome-plated والقواطع المنزلقة بحرية بمحاذاتها وحولها.أما في الواجهة الخلفية للمبنى فنجد النافذة الافقية الطويلة المستمرة شبيهة بتلك التي في مبنى الشقق في فايسنهوف( ).وبشكل عام,يبدو المسقط الافقي لمنزل توغندات أكثر اثارة للاهتمام المعماري من شكل المبنى الخارجي.
2-المرحلة الامريكية,1938-1969م:
في نهاية الثلاثينيات سارعت جامعات أمريكية لاستقطاب أهم المعماريين الأوربيين وخاصة الألمان الفارين من وجه النازية التي أخذت على عاتقها تصفية الفن الحديث والتضييق على أهم رواده.وتناسفت كل من جامعتي هارفارد ومعهد الينوي التكنولوجي لاقناع ميس بقبول ادارة قسم العمارة فيهما.وفي النهاية حظيت هارفارد بغروبيس في حين توجه ميس الى شيكاغو للتدريس في معهد الينوي التكتولوجي.
وكان أول مشروع يعهد اليه هناك هو اعادة تصميم حرم الجامعة ومبانيها الرئيسة,وذلك عام 1939م( ),وكان أول تلك المباني مبنى ابحاث المعادن,1942-1943م الذي جاء بشكل صندوقي بسيط يرتكز على هيكل انشائي معدني عناصره الرئيسة من القضبان الفولاذية ذات مقاطع بشكل الاحرف الانغليزي ة,I,T,H. وتعكس بساطة التصميم الميزانية المتدنية للمشروع,وذلك بسبب حالة الحرب التي كانت تمر بها البلاد انذاك مما كان يتطلب توجيه كل الجهود والامكانيات المادية للمجهود العسكري,لكن برغم الميزانية المتواضعة للمبنى الا أن ذلك لم يثن ميس عن الأهتمام بتفاصيل عناصر المبنى كافة من أعمدة وجسور وجدران ستارية مصنوعة من الالواح الزجاجية الضخمة( ).
وقد كانت هذه المباني سببا رئيسا في شهرة ميس في الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية,شهرة نابعة من الاهتمام بتفاصيل الامر الذي عبر عنه ميس بقوله:"ان الله(موجود9في التفاصيل"God is in the detail. وليس أدل على هذا الاهتمام بتصميم التفاصيل من التفصيلة الشهيرة لزاوية مبنى أبحاث المعادن التي اصبحت من العلامات المميزة لمباني حرم الجامعة في معهد الينوي التكنولوجي,ومثلها في مبنى الكيمياء( ).
أما قاعة كروان فهي قاعة ابعادها 120*220 قدما خالية تماما من الاعمدة توفر فراغا مفتوحا دون اية تقسيمات داخلية لاستخدام لطلبة العمارة وتخطيط المدن وأساتذتهم,بالاضافة الى منطقة عرض لاعمال الطلبة في الوسط.وتحمل هذا السقف الفولاذي الضخم أربعة جسور ضخمة steel girders المسافة بين كل منها 60قدما.ويغلف البناء جدار ستاري مستمر من الفولاذ والزجاج( ).وتم تغشية الاجزاء السفلية للالواح الزجاجية بمعالجتها بالقذف الرملي sand-blastingبينما أبقى على شفافية الاجزاء العلوية ومنطقة المدخل.وتم استخدام ستارات معدنية venetian blinds ثابتة(غير متحركة)خلف ألواح الزجاج الشفافة لتأمين توزيع منتظم للانارة في الداخل.أما التقسيمات الداخلية البسيطة فكانت من خشب البلوط.
وقد أتاح المعرض المنفرد الذي نظمه متحف الفن الحديث في نيويورك عام 1947م الفرصة لجماعة المعماريين الامريكيين للاطلاع على أهم أعمال ميس حتى ذلك التاريخ,مما ساهم في انتشار أفكاره التصميمية في الاوساط المعمارية.وقد تعرف ميس من خلال المعرض على الانسة ايدث فارنزورث التي قامت بتكليفه بتصميم منزل ريفي صغير لها على ضفة نهر صغير بالقرب من بلانوبولاية الينوي,في الاعوام 1945-1950م.أرادت الانسة فارنزورث بيتا صغيرا لاستخدامه في نهاية الاسبوع فقدم لها ميس معبدا صغيرا أبيض اللون شبيها بالمعابد الاغريقية في صفائه ونقائه ودقة تفاصيله الامر الذي جعله احدى روائع عمارة الحداثة.
تكون التصميم من قاعة كبيرة تتوسطها منطقة خدمات تشمل وحدتين صحيتين,بالاضافة الى مطبخ صغير من جهة,ومدفأة صغيرة من الجهة الأخرى المطلة على النهر.ولا يتصل المبنى كله بالأرض الا من منتصفه حيث توجد التمديدات الصحية,ويتم الدخول الى المدخل الى المبنى عن طريق مصطبة مستطيلة منزلقة جانبيا عن المنزل ترتفع بضع درجات عن الأرض الطبيعة,وتفصلها عن مستوى المدخل بضع درجات اخرى.ويعتمد المبنى على هيكل فولاذي من ثمانية أعمدة بمقطع بشكل الحرف الأنغليزي(I)مطلية باللون الأبيض.وتغلف المبنى ألالواح الزجاجية الضخمة من كل الجهات من أي جزء من المنزل.ويحقق التواصل البصري التام بين الداخل والخارج( ).
لكن تجارب ميس في تصميم المنازل السكنية المستقلة كانت محدودة وقصيرة الأمد,بعكس مبانيه اللاحقة في مجال الأبنية السكنية العالية,ومباني المكاتب,ومن أهمها مبنيان عاليان للشقق السكنية في شارع البحيرة في شيكاغو Lake Shore Drive Apartments,1948-1951م( )حيث يحمل هيكل انشائي فولاذي ستا وعشرين طابقا في كل من المبنيين المتجاورين,ويتغلف كل مبنى بجدار ستاري من اللألواح الزجاجية المثبتة على هيكل انشائي فولاذي ذي لون داكن يزداد لونه دكنا بتضاده مع لون الستبئر الداخلية الباهت.ومما يزيد من درامية التصميم موقع المشروع على ضفة البحيرة بسبب التضاد بين اللونين الداكن للمبنى وارتفاعه الشاهق,والأمتداد الأفقي للبحيرة الضبابية.
وفي عام 1958مصمم ميس صندوقا هيكليا اخر شبيها بمبنى الشقق المذكور,لكنه لم يكن مخصصا للشقق السكنية بل للمكاتب التجارية.ويعتبر هذا المبنى,مبنى سيغرام Seagramفي نيويورك,أول بناء عال للمكاتب ينفذه ميس في حياته( )يبدو مبنى سيغرام هذا كالمارد البرونزي,جاثما في مواجهة جادة بارك أفينيوPark Avenueفي شبه جزيرة منهاتن في وسط مدينة نيويورك,بتأكيد تام على الأتجاه الرأسي وصقل تام لتفصيلات الجدار الستاري بشكل يفوق مثيله في مبنى الشقق في شارع البحيرة في شيكاغو.يتم الدخول الى المبنى من الوسط تماما على أمتداد محور أفقي متعامد مع اتجاه الشارع تحف بجوانبه بركتان مستطيلتان كاملتان التناظر لهما أثر كلاسيكي واضح يتكرر صداه في تصميم قاعة الخريجين التذكارية وتصميم قاعة كروان في معهد الينوي التكنولوجي,وكذلك في تصميم منزل فارنزورث.
461
يغطي الأنتاج المعماري لفرانك لويد رايت ( )فترة تتجاوز سبعة عقود منذ نهاية القرن التاسع عشر الى مابعد القرن العشرين.وتنتشر تلك المباني في معظم انحاء الولايات المتحدة الامريكية بحيث لا تكاد تخلو ولاية من مشروع أو أكثر.وقد كان لع عدة مبان واقتراحات لمبان خارج الولايات المتحدة مثل الفندق الامبراطوري الذي بنى في طوكيو عام 1915م,ولكنه هدم عام 1968م.كما كان رايت قد تقدم باقتراحات لمشاريع في دولتين عربيتين هما مصر والعراق لا يبدو أن أيا منهما قد تم تنفيذه.ففي بغداد شارك رايت بمسابقة مبنى دار الأوبرا الذي اقترحته الحكومة العراقية انذاك في جزيرة أم الخنازير ببغداد,وقدم تصميما خياليا مستمدا من تصورات شبيهة بحكايات الف ليلة وليلة,أما في مصر فقدم اقتراحات لقرى سياحية لم يتم تنفيذها ايضا.لكن اغلب مشاريعه تتقاسمها ولاية الأم,ولاية ويسكنسن,والولاية المجاورة لها,ولاية الينوي.هذا بالاضافة الى عدد لاباس به من المباني في ولاية كاليفورنيا وعدد قليل في ولاية نيويورك,وغيرها.
ابتدأ رايت عمله في مكتب دنكمار أدلر ولويس سليفان Adler&Sullivan في شيكاغو عام 1887م,بعد أن وظفه سليفان للمساعدة في تحضير الرسومات الهندسية لمبنى عال متعدد الطبقات هو مبنى"الدرج"Auditorium Building يسمى هذا المبنى الاسم بسبب احتوائه على مدرج كبير كان يستخدم كصالة للأوبرا.وبالأضافة الى المدرج كان المبنى يحتوي ايضا على فندق ومكاتب تجارية وبرج صغير المساحة نسبيا يرتفع عن بقية المبنى بعدة طوابق ويستخدم كمكاتب تجارية ايضا.
خلال فترة عمل رايت مع سليفان نشأ نوع من التقسيم الوظيفي لنوع الأعمال التي كان يتولاها كل منهما,فكان سليفان يهتم بتصميم المباني العالية أكثر من أهتمامه بالمبانى السكنية للعملاء الذين كان عدد منهم من أصحاب المباني العالية التي يقوم سليفان نفسه بتصميمها.وفي تلك الفترة المزدهرة من تاريخ شيكلغو نمت الضواحي السكنية للمدينة بشكل متسارع لم يضاهه سوى انتشار الأبنية العالية في وسط المدينة.وتعزى تلك النهضة العمرانية بشكل عام الى الثورة الصناعية وما انبثق عنها من تطورات في وسائط النقل وفي مقدمتها القاطرات والسفن التجارية,مما جعل مدينة شيكاغو حلقة رئيسة في التبادل التجاري بين شرق البلاد والمراعي الخصبة في مناطق وسط امريكا على امتداد نهر الميسيسبي الذي اصبح بدوره شريان الحركة الرئيس لنقل البضائع شمال النهر وجنوبه على كامل الامتداد الطولي للقارة الامريكية الشمالية .
كما ساهمت التطورات في وسائل النقل الالي كالقاطرات البخارية في انتشار الضواحي السكنية بعيدا عن وسط المدينة الاذي اصبح استخدامه يقتصر بشكل عام على الاستخدام التجاري.وتواكبت التطورات بذات الاتجاه بعد البدأ بأنتاج السيارات التي تعمل بالة الاحتراق الداخلي الأمر الذي تم في الولايات المتحدة لاول مرة عام 1893م,مما تسبب قي زيادة الضوضاء والتلوث ومخاطر الحريق كالذي كان قد أتى على معظم مباني المدينة عام 1871م,فتمخض هذا الوضع عن تقسيم وظيفي لاستخدامات الارض في شيكاغو وضواحيها بحيث طغت المباني التجارية العالية على وسط المدينة في حين اقتصرت الضواحي المحيطة على المباني السكنية قليلة الارتفاع.
فمنذ بداية عملل رايت في مكتب سليفان في شيكاغو من عام 1887م,وحتى عام 1911م,أنتج رايت عددا كبيرا من المباني السكنية المستقلة في تلك الضواحي السكنية الجديدة لمدينة شيكاغو مثل ريفرسايد Riverside ,رفرفورستRiverrorest,أووك باركOak Park,وأصبحت تلك المساكن تعرف باسم"بيوت البربري".وقد كانت الابتكارات التي حققها رايت في تلك البيوت السبب الرئيس وراء تسمية تلك الفترة من حياته المهنية "العصر الذهبي الاول".
475
لم يكن رايت هو من أطلق تسمية "بيوت البراري"في بداية الامر لكنه كان دائم الاشارة الى الخصوصية المناخية والطوبغرافية للبراري الامريكية في مناطق الغرب الأوسط من الولايات المتحدة .وكانت تلك الخصوصية في رأيه تفرض على المعماري عدة شروط تصميمية حاول أخذها بعين الاعتبار ضمن المنضومة التصميمية المميزة لبيوت البراري,والتي جأءت على النحو التاليي:
1-رفع طابق التسوية من تحت الأرض الى مستوى الأرض مما يجعل الطابق الرئيس للمنزل مرتفعا عن المناطق المحيطة مما يسمح بأطلالة أفضل من داخل المنزل,ويصبح طابق التسوية في هذه الحالة بمثابة قاعدة أو مصطبة ثقيلة قليلة الفتحات مبنية في الغالب من الحجر أو الطوب لمقاومة أي تجمع للمياه حول المبنى أو أنتقال الرطوبة من باطن الارض.
2-وضع نوافذ الطابق الاول,الطابق الرئيس,ضمن حزمة مستمرة من الشبابيك الرأسية بدلا من الشبابيك المنفردة كثقوب في الجدران في حزام شريطي فوق مستوى الطابق الارضي.
4-الاستعاضة عن الشبابيك التقليدية المنزلقة رأسيا double-hung windowsبالشبابيك التي تفتح بشكل جانبي casement windows.
5-بروز نهاية الاسقف eaves فوق الفتحات لحمايتها من عوامل الطقس وتظليلها من أشعة الشمس المباشرة.ويتبع ذلك قصارة ودهان اسفل السقوف المعلقة بالوان مائلة الى البياض لزيادة كمية الاضاءة المنعكسة الى داخل الغرف.
6-المحافظة على الخطوط الأفقية المستمرة ما امكن باعتبار الخط الافقي متماشيا ومنسجما مع الامتداد الارضي الذي تتميز به الطبيعة الطوبغرافية لاراضي البربري الامريكية في مناطق الغرب الاوسط من الولايات المتحدة.
7-تحرير الفراغ الداخلي الرئيس المكون لصالات الاستقبال والطعام من الاطار الصندوقي التقليدي,وانفتاح الفراغات الداخلية على بعضها البعض,زبين الداخل والشرفات الخارجية.وقد اصبح ذلك يعرف لاحقا باسم"المسقط المفتوح"Open Plan .
طور رايت انموذج بيت البراري في أعماله المبكرة مثل منزل سوزان لورنس دانا في سبرنغفيلد بولاية الينوي عام 1899-1900م,ومنزل برادلي في كنتاكي بولاية الينوي ايضا عام 1900م,وغيرها.وقد نشر أول تصميم أنموذجي لبيت البراري في مجلة"بيت السيدات"Ladies Home Journal عام 1901م( ) .وقد أنبثق عن ذلك التصميم الأنموذجي عدة مساكن مستقلة منها منزل وورد ويليتس في هايلاند بارك بولاية الينوي عام 1901م,ومنزل داروين مارتن في بفالو بولاية نيويورك عام 1904م,ومنزل عائلة السيد فريدريك روبي في شيكاغو,عام 1906م( ).
تتشابه المعالم الرئيسة لهذه المشروعات بدءا بالجدران الأرضية الثقيلة من الطوب الاحمر أو المائل الى الصفرة,والتي ترتفع من مستوى الارض حتى مستوى تصوينة شرفات الطابق الارضي,أو حتى مستوى اعتاب نوافذ الطوابق العلوية.وتتشابه ايضا بالامتداد الافقي للاسقف المعلقة فوق فتحات النوافذ المتكررة بايقاع موحد لمسافات طويلة على امتداد الجدار.هذا بالاضافة الى العنصر الرأسي المتمثل بمدخنة المدفأة المتمركزة في منتصف الفراغ الذي يحتوي غرفتي المعيشة والطعام في منزل روبي,وفي منتصف فراغ الاستقبال الرئيس في منزل مارتن.
وفي تصميمه لمجموعة المباني التي بناها لتكون سكنا له في سبرنغ غرين Spring Greenبولاية الأم ويسكنسن عام 1911م,قام رايت بتوظيف ذات العناصر في تشكيل يلتف حول سفح الهضبة المطلة على وادي عائلة جونز,تلك المنطقة التي اختارأهل والدته الاستقرار فيها بعد هجرتهم من مقاطعة ويلز ببريطانيا الى الولايات المتحدة.أطلق رايت على هذا المقر السكني الخاص اسم"تاليسن"Taliesin تيمنا بالشاعر الويلزي المتنبي القديم صاحب"الحاجب المشع"Shining Brow.
ينطلق الاسم الذي اطلقه رايت على مقر سكناه مع طبيعة التصميم,فالمعنى الحرفي للفظة "تاليسن"باللغة الويلزية هو"الحاجب المشع",وينطبق هذا مع كيفية توقيع المبنى على سفح الهضبة وليس على قمتها بشكل الحرف الانغليزي(U)تقريبا.بحيث يحتضن قمة الهضبة من ناحية ويطل من ناحية الاخرى على الوادي.
ينسجم شكل المبنى تماما مع البيئة المحيطة بصفة خاصة ليس فقط بسبب طريقة توقيع المبنى على سفح الهضبة,بل ايضا بسبب استخدام المواد الطبيعية في بنائه,اذ يستخدم رايت مداميك الحجر الطبيعي غير المشذب المتفاوته الارتفاع في بناء الجدران الرئيسة للمبنى والجدران الاستنادية الصغيرة الحاضنة لأجزاء الحديقة قرب المبنى وحوله,وحين يستخدم القصارة لبعض اجزاء الجدران فانها تصطبغ بلون التراب المائل الى الاصفرار,أما التكسية الخارجية للسقوف فمن الواح الخشب الطبيعي.وينطبق هذا الامرايضا على مواد الابواب والنوافذ والارضيات الداخلية.أحترق المبنى مرتين,عام 1914موعام 1925م,واعيد بناؤه مجدادا كل مرة مع اضافات وتوسعات حتى أصبح بشكله الحالي.ويعتبر مشروع"تاليسن"هذا تتويجا للمرحاة الاولى والرئيسة في حياة رايت المهنية( ).
وفي عام 1910م,1911م,تولت دار نشر ألمانية,فازمت Wasmuth,ومقرها برلين,نشر مجلدين ضخميين باللغة الألمانية عن أعمال رايت,أحدهما مجلد للرسومات والأخر للصور.وقد أتاحت هذه المجلدات للكثير من المعماريين الالمان والهولنديين,فرصة الاطلاع على أعمال رايت لاول مرة.ولكن بدلامن أن يكون ذلك فاتحة خير على رايت,كان بداية لمرحلة انتقالية مليئة بالنكسات المهنية والشخصية.ففي عام 1914م وخلال وجوده في اليابان أحرق أحد الخدم مقره السكني تاليسن وأجهز على كافة من كان به بمن فيه عشيقته ميمه تشيني Mamah Cheney وأولادها.وفي عام 1923م توفيت والدته.وفي عام 1924م توفي سليفان.وقد تركت وفاة سليفان بعد سنوات مليئة بالمشقة والصعوبات المهنية حزنا عميقا في نفسه,خاصة بعد أن تجددت صداقتهما قبل ذلك بسنوات.
482
وبانتصاف الثلاثينات كان رايت قد بلغ الثامنة الستين عاما,لكن هذا لم يثنه عن تصميم رائعته المعروفة باسم"فيلا الشلال"Falling water في بيررن Bear Run بولاية بنسلفانيا,1935-1939م.استفاد رايت بدون شك من اطلاعه على اعمال معماريي الحداثة التي شاهدها في المعرض عام 1932م ,لكنه كعادته أثبت قدرته الفائقة على هضم واستيعاب دروس العمارة الحديثة مثلما استوعب من قبل ذلك دروس عمارة النيو-رومانسك الأمريكية التي أورثها له الأمريكي اتش-اتش-ريتشاردسون,ودروس العمارة اليابانية التقليدية,ودروس العمارة السكنية الانغليزية التقليدية,وفن الأرت نوفوه,والزخرفة الشرقية بطريق سليفان.وتمكن رايت من تقطير هذه الدروس كلها وصهرها في تصاميم تتميز بأصالة وابداع فردي وهذا هو شأن فيلا الشلال.
لدى رؤية الفيلا للوهلة الاولى يستحضر للذهن تصميم ميس للجناح الألماني في برشلونه وذلك بسبب التشابه بين التشكيل العام بالاعتماد على التضاد بين المستويات الافقية والرأسية.بيد ان رايت يختلف جذريا عن ميس في عدة امور,ففي حين يهتم ميس بأظهار خواص التصنيع الألي والمعالجة الألية للمواد الانشائية,يعني رايت باستخدام المواد بادنى قدر من التصنيع.وفي حين يهتم ميس بفصل الاعمدة الحاملة للسقف عن القواطع الداخلية غير الحاملة لا يستخدم رايت الاعمدة قليلة السماكة على الاطلاق,بل يستخدم دوما الجدران الحجرية الثقيلة في الداخل والخارج ولا يميز بين جدار حامل وغير حامل لكنهما يتفقان في محاولة الربط بين الحيز الداخلي والخارجي,ويبدو أنهذه الخاصية من الأمور التي طورها رايت باحتكاكه بالمعماريين الاوربيين باستغلال المظلات والشرفات المصنوعة من البلاطات الخرسانية المعلقة,وان كان هو الاسبق في ابتكارها وتطبيقها في مرحلة مبكرة في بعض بيوت البراري.
ويختلف رايت وميس ايضا اختلافا جذريا في مواقفهما من الطبيعة المحيطة بالمبنى ففيما ظل رايت ملتزما بتحقيق الانسجام بين المبنى والبيئة الطبيعية المحيطة ظل ميس باستمرار يعمل على ابراز التضاد بين المبنى والطبيعة,فالمبنى نتاج عمل الانسان وأدواته,أما الطبيعة فشأن اخر.وهذا خلاف ما كان يسعى اليه رايت.خذ مثلا فيلا الشلال حيث البلاطات الخرسانية المسلحة تحلق فوق الشلال مرتكزة على مجموعة من الجدران الحاملة التي تنبثق كسيقان الاشجار من قلب الصخر.وقد تم بناء الجدران هذه من مداميك متفاوتة الارتفاع من الحجر غير المشذب الموجود اصلا في الموقع مما يجعلها منسجمة جدا مع المحيط.
ومثلما في منازل البراري تقوم المدفأة العملاقة بتحديد نقطة مرجعية ثابتة ينساب من حولها الحيز الداخلي نحو الواجهات الزجاجية المطلة بأتجاه مسار الشلال.ولا يبدو كثير فرق بين المواد المستخدمة في داخل المبنى وحوله أو خارجه,فقد قام رايت بتبليط غرفة الاستقبال الرئيسة ببلاطات صخرية كبيرة القياس مثل تلك الموجودة في الموقع وحوله,كما أبقى الجدران الحجرية الحاملة على طبيعتها من الداخل ايضا.
وبالنظر الى اللقطة الشهيرة اامنزل من اسفل الشلال تظهر الجدران الحاوية للمدفأة العملاقة والجدران المجاورة لها بمثابة العمود الفقري الذي تنبثق على جنباته الشرفات المعلقة في تشكيل شبيه بالشجرة العملاقة الضاربة ج1ورها في الصخر والتي ينبثق ساقها حاملا شرفاتها في كل اتجاه كتفتح أوراق الشجر الخضراء للضوء( ) تؤكد هذه الصورة والاستعارة المرتبطة بها في العادة فكرة"العمارة العضوية"التي بدأ رايت ينادي بها على الاقل منذ عام 1936م.
لكن أهتمام رايت بالطبيعة وتوظيفه لاستعارات مستمدة منها في أعماله المعمارية يعود الى فترة مبكرة من حياته المهنية ولا يقتصر على تعبير "العمارة العضوية".ففي كتاباته المبكرة من نهاية العشرينات كان رايت يتحدثق باستمرار عن "طبيعة المواد"Nature of Materials أي استخدام المواد"على طبيعتها",بالرغم من عدم وضوح القصد المحدد من ذلك التعبير. لكنه منذ عام 1963م بدأ يتحدث عن مفهوم"العمارة العضوية"ويربطه بفكرة"طبيعة المواد". ومنذ ذلك الوقت وحتى نهاية حياته ظل رايت يكرر استخدام تعبير "العمارة العضوية"لكن تحديد واضح لمعناه.وفي عام 1953م اقيم معرض كبير لاعماله في متحف غوغنهايم وبعد المعرض صدر كتاب رايت بعنوان"مستقبل العمارة ورد فيه مصطلح "العمارة العضوية"كعنوان للفصل الاخير من الكتاب.في هذا الجزء الأخير يقدم رايت تعريفه لمعنى العمارة العضوية فيقول بانها تعني"الكلية"entity وبمعنى ان يكون الشئ مكتملا او ويستطرد رايت فيقول بان "معناه الاصلي في العمارة هوتناسق الجزء مع الكل,والكل مع الاجزاء...وفي العقد الاخير من حياته أدمج تلك الافكار فيما اسماه"البيت الطبيعي"the Natural House.
ويمثل ذلك التوجه" العضوي" قدم رايت تصاميمه لمباني شركة اس-سي-جونسونS.C.Johnsonفي ريسينRacine بولاية وسكنسن عام 1936مووخاصة برج الابحاث التابع لنفس الشركة عام1944م,وبالاضافة الى المقر الصيفي"تاليسن غرب"T aliesin West في سكوتسديل Scottsdale بولاية اريزونا عام 1938م.
ففي تصميمه لقاعة العمل المكتبي الرئيسة لشركة جونسون قام رايت بخلق فراغ داخلي كبير مفتوح محاط بجدران من الطوب الاحمر يحصر بداخله غابة من الاعمدة الفطرية mushroom-shaped columns الضخمة تشكل نهاياتها العريضة سقف القاعة.بحيث تصبح القاعة وكانها بين تلك "النخلاتط الخرسانية "واحة عمل"Oasis.وتغطي المسافات الفاصلة بين صفوف الاعمدة هذه طبقتان من الانابيب من مادة البايركسPyrex tubes تسمح بتوزيع منتظم للاضاءة في كافة أرجاء القاعة.وتغطي انابيب اخرى شبيهة بها المسافات الفاصلة بين اعلى الجدار الخارجي المستمر حول القاعة وجدار تصوينة السقف مما يسمح بادخال كمية اضافية من الاصاءة الى داخل القاعة.وتستدير زوايا المبنى في انسجام مع شكل الاعمدة الداخلية العملاقة وشكل السقف الذي يتشكل من حلقات دائرية متجاورة فوق كل عمود من الاعمدة الموجودة بالداخل.
وفي مشاريع لاحقة عاد رايت فأكد على استخدام تلك الاستعارة مجددا.ففي تصميم متحف سليمان غوغنهايمSolomon Guggenheim في نيويورك 1943م اتخذالتصميم شكلا لولبياHelicoidalاحتوى فراغا وسطيا مفتوحا بارتفاع عدة طوابق.وجاءت عناصر الحركة الرأسية ضمن كتلة اسطوانية مستمرة من الاسفل للاعلى بهيئة ساق الشجرة. تحتوي تلك الكتلة الاسطوانية الادراج والمصاعد.والتي يستخدمه الزائر للوصول الى نقطة البداية في الطابق العلوي الاخير من المتحف,ومنهناك يبدأ بالهبوط التدريجي داخل المنحدر اللوليبي انتهاءا بقاعة المدخل,من حيث اتى( )